dimanche 3 décembre 2006

إصلاح الخطاب الإسلامي


ليست مهمة إصلاح الخطاب الاسلامي بالمهمة السهلة كما يبدو للوهلة الأولي، لأنه لا إصلاح للخطاب إلا بعد إصلاح للفهم الذي ينبثق عنه هذا الخطاب، وهكذا نجد أن القضية الحقيقية التي تجابهنا هي قضية حسن فهم الدين، وليست هي بالقضية الهينة، وقد دعونا إليها في كتابنا "ديمقراطية جديدة" الذي صدر سنة 1946م ولا نزال ننادي بها بعد ستين سنة بالتمام والكمال وإذا كان قد حدث تغيير من سنة 1946م إلي الآن فهو تغيير للأسوأ.
ولإظهار الصعوبة نقول إن الفهم السائد للإسلام هو الفهم السلفي، أي ما وضعه الائمة في التفسير والحديث والفقه في القرنين الثالث والرابع من الهجرة أي من أكثر من ألف عام، ولا جدال في أن احكامًا تصدر من ألف عام وتتعلق بشئون الحياة الدنيا لا يمكن أن تستوعب مشكلات العصر الحديث، فالزمن يعني التاريخ ونظم الحكم ويعني اختلاط الأجناس وتداخل الثقافات، ويعني النظام الاجتماعي والفنون، ويعني اختلاف نظم الانتاج والعمل، ويعني التقدم من الكتاب المنسوخ باليد إلي المطبعة والإذاعة والقنوات الفضائية والسماوات المفتوحة، ويعني الانتقال من الحمير والبغال إلي السيارات والسكك الحديدية والطائرات، ويعني تقدم العلم وتضاعف المعرفة وتوالي الاكتشافات والاختراعات، كل هذا يسر ويتراكم ويحمل معه التغيير في "الفهم" ففهم نص في السنوات الخوالي لا يمكن أن يكون هو فهم النص في القرن الحادي والعشرين.
بالاضافة فإن الفكر الاسلامي عاش في ظل حكم مغلق استبدادي لا يعرف المؤسسات ولا آليات العمل العام، وبعد بداية باهرة استمرت لثلاثين سنة هي حكم الرسول وأبي بكر وعمر بن الخطاب بدأ الهرج وأخذ نصف المسلمين يضرب عناق النصف الآخر، وحدثت أسوأ الفظائع من غزو المدينة، وضرب الكعبة بالمنجنيق، ومجزرة كربلاء.. إلخ.
وفي سنة 40 هـ حول معاوية بين أبي سفيان الخلافة الاسلامية إلي ملك عضوض، ومن هذا التاريخ والحكم الإسلامي الذي أطلق عليه خلافة هو أبعد ما يكون عن الخلافة، هو حكم ملكي وراثي مستبد ككل النظم التي سادت العالم القديم وظلت هكذا حتي ألغاها مصطفي كمال أتاتورك.
ومن الظواهر المثيرة للدهشة أن الحكم الاسلامي بتأثير سماحة وبساطة الإسلام أن الحكام لم يضيقوا بنوع من الحرية في العقائد وخضع المجتمع الاسلامي في العصر العباسي لموجات متتالية من المؤثرات الفكرية - خاصة بعد ترجمة كتابات اليونان - واستطاع الهنود والفارسيون والروم البيزنطيون الذين أسلموا وحملوا في أعماق نفوسهم وراءه حضارات مختلفة أن يدسوا في الاسلام مفاهيم متعددة عنه، أما محاولات اليهود فقد بدأت من أيام الرسول وواصلت البقاء، وفي القرن الرابع قال إخوان الصفا أن الشريعة قد لوثتها الضلالات ولا يغسلها إلا الفلسفة اليونانية، فهل يمكن لأي غزو فكري أن يجاوز ذلك.
ولكن الحكام الذين جعلوا العقيدة "مكلمة" فلسفية يدلي فيها كل واحد بدلوه كانوا غيورين بحكم سلطاتهم حريصين علي طاعة شعوبهم، ولما بدت من الائمة الأربعة أحمد بن حنبل ومالك والشافعي وأبي حنيفة - بادرة تحرر - لم يترددوا في التنكيل بهم.
آل كل هذا التراث إلي الأزهر فتعلمه شيوخه أطفالاً وهم يعلمونه كبارًا ولا يعرفون شيئًا آخر سواه فإذا قيل الاجتهاد قالوا هل عرفت أحكام النحو العربية؟ هل علمت الناسخ والمنسوخ؟ وأسباب النزول؟ هل تميز بين الخاص والعام؟، وهذا في حقيقة الحال لا يعدو سقط المتاع ولا يؤدي إلي تفسير اليسير وتعقيد البسيط والانحراف بالبداهة والفطرة عن أصلهما.
ولا يفيد في شئ "تنقية التراث" لأن التراث يشبه جبلاً في عمقه عرق ذهب ولابد للوصول إليه من هدم الجبل وما يتطلبه هذا من المال والوقت والجهد، وأسوأ من هذا اننا نشتري بهذا الثمن الفادح "التقليد" ونضحي بإعمال الفكر، ونفضل أن نكون قرودًا تقلد عن أن نكون أناسا تفكر.. فما أسوأها صفقة.
لا يكفي التخلص من الفهم السلفي القديم، ولكن لابد أيضا أن تكون لدينا رؤية للإسلام تثبت أن الاسلام استهدف الإنسان وأراد اخراج الناس من الظلمات إلي النور وأن يضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم، وانه كما قال ربعي بن عامر للقائد الفارسي رستم "أن الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلي عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلي سعتها ومن جور الأديان إلي عدل الإسلام".
إن حقوق الانسان ليست اكتشافًا أمريكيًا فقد كانت هي المضمون العملي للإسلام، وقد قامت أروع تجربة لمجتمع إنساني في تاريخ البشرية في حكم الرسول وأبي بكر وعمر للمدينة، حيث وجد مجتمع يقود علي المساواة والعدل، ولا يعرف السجون، وليس فيه بوليس، ولا يفرض الضرائب الباهظة بل يأخذ من الغني ليعطي الفقير ويخضع الجميع لحكم القانون وأولهم الرسول والحلفاء.
هذه بضاعة لا تنفق في سوق الأزهر ولا يمكن لشيوخه تفهمها وإساغتها فضلاً عن الدعوة إليها.. وإنما يمكن ذلك لأحرار الفكر الاسلامي الذين يؤمنون بالاسلام لأنهم يرون فيه دعوة للقيم الانسانية من حرية ومساواة وعدل ومعرفة.
وإني لأعجب أشد العجب من تقاعس هيئات المجتمع المدني عن الدخول في هذا الميدان، في حين انه هو الذي يجعل الايمان بالقيم الانسانية تقوم علي القيم الدينية التي يؤمن بها الشعب ويحلها في أعماق قلبه، وكل جهد لهذه المنظمات دون أن يتحقق هذا فلا يصل إلي ضمير الفرد ولمن يدخل قلبه ووجدانه فإذا لم تكن لديهم الخبرة الدينية فعليهم أن يتصلوا بأحرار الفكر الاسلامي وأن ينظموا لهم دورات يمكن أن يتحدثوا فيها ويشرحوا حقيقة الإسلام.
لقد قضينا عشر سنوات في أمانة مركز ابن خلدون قبل أن يؤمن بالفكرة ويضعها كأحد المحاور الثلاثة لعمله وهي "أ" التنمية، "ب" الديمقراطية، "جـ" الإصلاح الديني.
وأذكر أن الجمعية الانجيلية بالقاهرة قامت بعدد من الدورات بتعميق معني المواطنة ما بين رجال الدين مسلمين ومسيحيين، وجمعت ما بين عدد من أحرار الفكر وعدد آخر من القسس وعدد ثالث من الشيوخ، وكانت تجربة من أنجح التجارب.
فلماذا يتقاعس المركز القومي لحقوق الإنسان وليده من الاختصاص ما ليس لدي غيره ونحن نعلم أن هذا الموضوع أحد محاوره الرئيسية، ونأمل ألا تعوق البيروقراطيات مضيا ولماذا تتجاهل منظمات المجتمع المدني هذا الواجب المقدس وهو السبيل الوحيد لإيمان المواطن العادي بما يدعون إليه.

2 commentaires:

Anonyme a dit…

bonsoir

je voulais pas te répondre sur l'autre page web

trés bonne analyse

bye et bon blog

pofpof a dit…

hi hi hi, je ne sais pas de koi tu parle cher abdoukamel, de quelle analyse de quelle page web?
mais je te remerci comme meme